ما هو غسيل الأموال ؟ وكيف تغطي المافيات والمؤسسات الإجرامية آثار مصادر تمويلها

عادةً ما يكون الهدف من الأعمال الإجرامية هو الربح المادي، و غسيل الأموال هو العملية التي تغطي الأصل غير القانوني لهذه الأرباح، وتسمح للمجرم بالتمتع بهذه المبالغ وحمايتها هي ومصدرها من أية خطر. عندما يولد العمل الإجرامي أرباحاً كبيرة، يستدعي ذلك المجرمين للبحث عن طريقة للسيطرة على المبالغ دون لفت النظر إلى النشاط الإجرمي أو الأشخاص المعنيين.

يقال بأن مصطلح غسيل الأموال (Money Laundering) نشأ بسبب المافيا الإيطالية وبشكل خاص بعد قيام آل كابوني بشراء المغاسل التي يطلق عليها ‘Laundromats’ بالانكليزية، لخلط أرباحه غيرالقانونية من الدعارة والخمور مع أرباح قانونية من أعمال قانونية مثل المغاسل وذلك لإخفائها. وعندما قُبض عليه تمت إدانته بالتهرب الضريبي ولكنهم لم يستطيعوا إيجاد المبالغ الخاصة به وبشركائه، لأنهم قاموا باخفائها بالاستثمارات في أعمال مختلفة التي لا يمكن إثبات ملكيتها.

لم يكن آل كابوني أول من قام بغسيل الأموال، فبالواقع تعد العملية هذه بنفس القدم الذي نشأت فيه النقود حيث قام التجار منذ القدم بتخبئة ثرواتهم من جامعي الضرائب، والقراصنة سعوا لبيع هباتهم ومسروقاتهم دون لفت النظر كيف حصلوا عليها. وبسبب نشوء العملات الرقمية والمصارف الخارجية والانترنت المظلم والأسواق الدولية، أصبحت هذه المشاريع معقدة للغاية.

ما هو تعريف غسيل الأموال ؟

هو عملية جعل المبالغ الضخمة من الأموال المولدة من النشاطات الإجرامية مثل الاتجار بالمخدرات أو تمويل الإرهاب تبدو وكأنها أتت من مصدر قانوني. (يعتبر المال من النشاطات الإجرامية “قذراً” وعملية غسيل الأموال تقوم “بغسله”). غسيل الأموال بذاته يُعتبر جريمة.

كيف يعمل غسيل الأموال؟

إن غسيل الأموال ضروري للمنظمات الإجرامية التي ترغب باستعمال المال الذي حصلوا عليه غير قانونياً بطريقة فعالة، لأن التعامل مع كميات كبيرة من النقود غير فعال وخطر، لذلك يوجب على المجرمين إيجاد طرق لإيداع أموالهم في مؤسسات مالية قانونية ويمكنهم فعل ذلك فقط إذا بدت النقود الذين يريدون تأمينها قادمة من مصدر قانوني. (يتعين على البنوك الإبلاغ عن المعاملات النقدية الكبيرة والعمليات المشبوهة الأخرى التي قد تبدو على أنها علامات على غسيل الأموال).

عادةً ما تضمن عملية غسيل الأموال ثلاث مراحل أساسية وهي:

  • مرحلة الإيداع: وهي المرحلة التي يتم فيها وضع الأموال غير القانونية في النظام المالي القانوني مثل إيداع النقود في حساب بنكي وتكون هذه المرحلة أصعبها للمنظمات الإجرامية حيث يقومون بإيداع كميات كبيرة من النقود مما يؤدي إلى إثارة الشك في مصدرها.
  • مرحلة التمويه: وهي المرحلة التي يتم فيها إخفاء مصدر الأموال عبر سلسلة من الصفقات والعمليات التجارية والعديد من حيل إدارات الحسابات.
  • مرحلة الإدماج: وفي هذه المرحلة يستطيع المجرم سحب الأموال “المغسولة” من المصدر القانوني وصرفها واستعمالها لأي هدف في باله.

أحد أكثر الطرق انتشاراً لغسيل الأموال هي استعمال مشاريع شرعية تقوم بإنتاج الأموال مملوكة من قبل منظمات إجرامية. على سبيل المثال إذا كانت المنظمة تمتلك مطعماً فبمقدرتها زيادة الإيصالات النقدية اليومية وإيداع الأموال في البنك المصرفي الخاص بالمطعم. وبعد ذلك يمكن سحب الأموال عند الحاجة. وغالباً ما يسمى هذا النوع من الشركات باسم “الواجهات” أو “Fronts”.

شكل آخر من أشكال غسيل الأموال يسمى ال”Smurfing” أو “Structuring” يقوم فيه المجرم بتوزيع مبالغ مالية كبيرة إلى ودائع صغيرة يتم توزيعها في حسابات مختلفة لتجنب أمر اكتشافها. أو يمكن تهريب المال عبر الحدود وإيداعها في حسابات في دول تكون فيها القوانين تجاه غسيل الأموال أقل صرامة.

أحد الخيارات أيضاً هو تكوين شركة وهمية (شركة العنوان البريدي) وتكون موجودة على الورق فقط وليس لها نشاط اقتصادي فقط حساب بنكي وعنوان بريدي، وعند إنشاء الشركة الوهمية يستطيع المجرم تصنع بعض العمليات التجارية التي يدفع لها بالنقود غير القانونية.

غسيل الأموال الإلكتروني:

جعلت خوادم البروكسي وبرامج إخفاء الهوية المرحلة الثالثة من غسل الأموال (مرحة الإدماج) أسهل على المجرمين و حتى مستحيلة الكشف أحياناً، حيث يستطيع الفرد سحب أو تحويل كميات من النقود دون معرفة عنوان الآي بي.

يمكن أيضاً غسل الأموال عبر المزادات والمبيعات عبر الإنترنت ومواقع المقامرة ومواقع الألعاب الافتراضية حيث يتم تحويل الأموال الغير قانونية إلى عملات في الألعاب ثم إلى أموال “نظيفة” يمكن استعمالها وكأنها شرعية وقانونية.

منع غسيل الأموال:

كثفت الحكومات جهودها في العقود الأخيرة لمحاربة غسيل الأموال من خلال قواعد تفرض على المؤسسات المالية وضع أنظمة للكشف عن الأنشطة المشبوه بها والتبليغ عنها، وبينت بعض الدراسات بأنه يتم غسل مليار إلى ملياري دولار سنوياً.

وفي عام 1989 تم تشكيل مجموعة العمل المالي FATF لمحاربة غسيل الأموال على مستوى دولي، وفي بدايات الألفينات تم توسيع نطاق اختصاصه ليشمل مكافحة تمويل الإرهاب. وفي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، تحويل مبلغ أكبر من 10000 دولار يثير الشك بصاحبها.

لم يتم اعتبار غسيل الأموال جريمة في الولايات المتحدة حتى عام 1986، قبل ذلك كانت الحكومات تلجأ لمطاردة الجرائم المتعلقة كالتهرب الضريبي بدلاً من الجرم الرئيسي. ومنذ عام 1986 أصبحت لديها القدرة على مصادرة الأموال بإثبات حدوث إخفاءأو غسيل للأموال وذلك كان له دور كبير في محاكمة العمليات الإجرامية الكبيرة كتجارة المخدرات، ولكن هذا التغير القانوني أثار الشك حول الخصوصية والرقابة الحكومية.

اليوم الأمم المتحدة والحكومات الوطنية والعديد من المؤسسات غير الربحية تحارب غسيل الأموال، إذ لم تشمل عمليات غسيل الأموال الأفراد فقط بل طالت العديد من المؤسسات الاقتصادية الضخمة والمسؤولين الحكوميين.

المصادر:

اترك ردّاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.