يقوم العلماء غالبا بجمع الحقائق من خلال الملاحظة والتجارب ودراسة الأرشيفات وما شابه ذلك، ولكنهم نادرا ما يرضون بالحقائق وحدها لأنهم يريدون استخلاص النتائج التي تخبرنا ما إذا كانت النظريات صحيحة أو خاطئة وذلك من خلال التفكير المنطقي. تحمل كلمة المنطق المشتقة من الكلمة الإغريقية Logos مجموعة من المعاني بما منها الكلمة والفكر والجدال والإدراك والمبدأ، فهو دراسة التفكير أو دراسة المبادئ ومعايير الاستدلال والاستنباط والبرهنة.
فنسعى من خلال المنطق التمييز بين التفكير السليم والصائب وبين التفكير الخاطئ. يتحقق المنطق من بنية العبارات والحجج فيصنفها من خلال دراسة طريقة الاستدلال وسلامة اللغة التي صرحت فيها. يتحقق المنطق من المقترحات فنتوصل لمعرفة صوابها من خطئها والمنطق لا يكترث بالعوامل النفسية المرتبطة بالفكر ولا بالعاطفة فهو يناقش مواضيع جوهرية مثل المغالطات المنطقية والمفارقات.
عرّفه أرسطو على أنه التفكير الجديد والهام؛ الجديد لأنه يوصلنا لمعرفة ما لا نعلمه والهام لأن الاستنتاجات التي نتوصل إليها من خلال المنطق لا مفر منها. يطرح المنطق العديد من الأسئلة “ما هو التفكير الصائب؟”،”ما الذي يفرّق بين الحجج الصائبة والحجج المغلوطة؟”، “كيف يمكننا الكشف عن المغالطات المنطقية؟”.
مفاهيم المنطق:
- المنطق غير الصوري: هو دراسة حجج اللغة الطبيعية (اللغة المستعملة في حياة الشخص اليومية)، ويهدف إلى تطوير وتحسين وتحليل منطق اللغة. يرتبط المنطق غير الصوري بالمغالطات، والتفكير النقدي، ومهارات التفكير.
- المنطق الصوري: وهو ما نعرفه باسم المنطق الفلسفي أو الاعتيادي والميزان لمعرفة التفكير الصحيح، بكلمات أخرى هو دراسة الاستدلال والاستنباط بطريقة صريحة ورسمية.
- المنطق الرمزي: هو دراسة التجريدات الرمزية، يجسد السمات الشكلية للاستدلال المنطقي. يتعامل مع علاقات الرموز ببعضها، ويدرج تحته نوعين من المنطق، منطق حساب القضايا و منطق الرتبة الأول.
- المنطق الرياضي: امتداد للمنطق الرمزي، وهو تطبيق للمنطق الصوري على الرياضيات والتفكير الرياضي. يعود أقدم استعمال للرياضيات والهندسة بما يتعلق في المنطق إلى اليونان القديمة.
أنواع المنطق:
- القياس المنطقي: هو نوع من الجدال المنطقي الذي يطبق المنطق الاستنباطي ليصل إلى استنتاج ما استناداً على ادعاءات مقترحة يمكن تأكيدها أو يفترض أنها صحيحة.
- حساب القضايا (منطق العبارات): يتعامل مع القضايا الذرية والتي هي مقترحات يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة ويهتم بتسلسل الجدال والحجج من خلال الاهتمام بالروابط المنطقية (إما، أو، ليس، ماعدا…)
مثال على قضية ذرية: العدد 5 هو رقم أولي. - منطق الرتبة الأولى (المنطق الإسنادي): هو مجموعة من النظم الشكلية (يتم تعريف النظام الشكلي بشكل واسع النطاق على أنه أي نظام تفكير تجريدي قائم على نموذج رياضيات) يستعمل في الرياضيات والفلسفة والذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسب. ويتم فيه استعمال المصطحات المتعلقة بالكمية والعدد مثل (كل، على الأقل، إلخ)
- منطق الموجهات (المنطق الطوري): هو نوع من المنطق الصوري، يتوسع في كل من منطق حساب القضايا ومنطق الرتبة الأولى ليضيف عوامل شكلية (تعبيرات ترتبط بمفاهيم الاحتمالات والاحتمالية والضرورة) بناء على ذلك فهو يتعامل مع المصطلحات المتعلقة بهذه المفاهيم ومنها (“سابقًا”، “ربما”، “يمكن”، “يجب”، إلخ).
أنواع الحجج المنطقية:
الحجج الاستنتاجية أو الاستنباطية: وهي الحجج التي تكون حقيقة مقدمتها المنطقية تضمن صواب الاستنتاج، فمن المستحيل أن تكون المقدمة صحيحة وأن يكون الاستنتاج النهائي غير صائب. (مبينة على حقائق أو مبادئ عامة).
مثال:
- المقدمة الأولى: جميع البشر فانون.
- المقدمة الثانية: سقراط إنسان.
- الاستنتاج: سقراط فاني.
إن للحجج الاستنتاجية خاصتان مميزتان الأولى أنه من المستحيل أن ترتكب الخطأ، الطريقة الوحيدة ليكون الاستنتاج في هذه الحالة خاطئ هو إذا كان أحد الادعاءات مغلوط مثلاً:
- الادعاء الأول: جميع الأطفال يتناولون التفاح.
- الادعاء الثاني: أحمد يتناول التفاح.
- الاستنتاج: أحمد هو طفل.
اكتشف المنطقيون أنه لتحديد إن كانت الحجة صالحة أو لا نكتفي بالنظر إلى بنية الحجة متجاهلين محتواها.
- أ ≠ ب.
- ج = أ.
- إذن ج ≠ ب.
للتوضيح أكثر:
- أ: الهولنديون غير متواضعون.
- ب: فيكتور هو شخص هولندي.
- ج: فيكتور غير متواضع.
على الرغم من أن الادعاء الأول غير صحيح والاستنتاج أيضاً، إلا أن بنية الحجة سليمة وصائبة.
سيكون العلم أجمل لو استطاع العلماء البحث بطريقة الحجج الاستنتاجية ولكن للأسف فإن معظم النظريات العلمية ليست استنتاجية بل استقرائية وبهذا نكون وصلنا للنوع الثاني من الحجج المنطقية وهو:
الحجج الاستقرائية: وهي الحجج التي تبنى فيها ادعاءات جيدة تدفعنا لنصدق الاستنتاجات التي توصلت إليها، ولكن هذا النوع من الحجج ضعيف الضمان لحقيقة الاستنتاج. (الادعاءات مبنية عن طريق الملاحظة).
- مثال لحجة استقرائية ضعيفة: جميع الاختبارات هذا الأسبوع كانت سهلة وبالتالي جميع الاختبارات الأسبوع القادم سوف تكون سهلة.
- مثال لحجة استقرائية جيدة: جميع الغربان الملاحظة سوداء وبالتالي جميع الغربان سوداء.
القياس الاحتمالي وهو النوع الثالث من الحجج المنطقية وهو يبدأ بملاحظة أو بمجموعة من الملاحظات ويهدف لإيجاد أبسط تفسير لهذه الملاحظات.
القياس الاحتمالي لا يبرهن مباشرة من الفرضية للنتيجة كما في الاستنباط والاستقراء، بل يقوم بإبعاد التفسيرات الممكنة حتى يتبقى تفسير واحد معقول بالنسبة للأدلة المعطاة.
مثال:
سعيد ورامي أكلا السوشي البارحة، كلاهما استيقظ مع ألم في بطنهما أي سعيد ورامي تناولا سوشي فاسدة البارحة.
إن حقيقة أن كل من سعيد ورامي مريضين وحدها لا تثبت أن السوشي هي سبب المرض، لكن حسب المعطيات فإن كلاهما تناول نفس السوشي ولهما نفس الأعراض، وبغياب معلومات أخرى مثل أنه يوجد وباء منتشر، أفضل تفسير هو أن السوشي سبب ألم كل من رامي وسعيد.
المغالطات المنطقية:
المغالطة المنطقية هي خطأ في الاستدلال أو في الحجة، ومن أشهر المغالطات المنطقية:
- مغالطة الشخصنة أو القدح الشخصي حيث أن الادعاء أو الحجة تكون خاطئة بسبب صفات متعلقة بالشخص الذي يطرح الحجة وليس الحجة نفسها.
- مغالطة الرجل القش يتم فيها تحريف حجة أحد الأطراف ليدعم بها موقفه.
- الاستدلال الدائري وهي مغالطة حيث يبدأ أحد الأطراف بما يحاول الوصول إليه.
أما المفارقة هي عبارة قد تبدو متناقضة أو غريبة بالنسبة للمنطق السليم ولكنها قد تكون صحيحة على الرغم من هذا.